الإدارة فى

الإدارة فى
(اخر تعديل 2023-06-21 12:19:40 )

الإدارة فى الإسلام

الإدارة فى الإسلام

ونحــن نعــيش اليــوم عصــر الــدول الكبــرى التــي تحــرص علــى
توفير أفضل خدمة للمواطنين، ولكي تحقق هذه الدول رسالتها فلابد لها
مـن إدارة، والـدول أيـاً كانـت درجـة تقـدمها ونموهـا تحتـاج إلـى إدارة تزيـد
مـن فاعليتهـا وكفائتهـا فـي تقـديم الخدمـة العامـة لمواطنيهـا.

ولقـد أظهـر
التاريخ أن توافر أهداف وسياسات واضحة للدولة
لا يكفي لنجاحها، بـل
أن معيار النجاح والفشل، إنما يتوقف إلى حـد بعيـد علـى قدرة الإدارة القائمـة
على تنفيذ هذه الأهداف والسياسات .

وإذا كانــت الدولــة المتقدمــة قــد تقــدمت لأســباب متعــددة أهمهــا الاعتماد الأساسي على الإدارة العلمية المحترفة، فـإن المنظمـات العامـة
فيالدول النامية هي التي تدير عملية التنميـة مـن الأصـل بمعنـى آخـر
فـإن حاجـة الـدول الناميـة إلـى الإدارة تفـوق حاجـة الـدول المتقدمـة إليهـا على عكس ما يتوقع الكثيرون كما يقـول بيتـر دركـر الأب الروحـي لعلـم
الإدارة الآن .

“Effective management is probably the main resource
of developed countries and the most needed لا (resources
of developing ones” (Peter Drucker, 1969.

وإذا كانــت الإدارة بهــذه الأهميــة فــي المجتمعــات اليــوم، فكيــف
كانـت تـدار المنظمـات والـدول قبـل ذلـك؟
والإجابـة أن الإدارة قديمـة قـدم
التاريخ .
ونفـس الكـلام بالنسـبة لـلإدارة العامـة حيـث أن جـذورها قديمـة قـدم
البشرية قبل أن تكون علماً. ونعرض فيما يلي بإيجـاز سـمات الإدارة العامـة
والمعـايير الصـارمة التـي كـان يـتم علـى أساسـها اختيـار الموظـف أو الخـادم
العــام فــي العصــور القديمــة ومنهــا العهــد النبــوي وعهــد الخلفــاء والعصــر
العباسي والأمور حتى عهدنا الحالي

مقالة منفصلة تعريف الإدارة العامة وأهميتها ومجالاتها

(أ) العهد النبوى :

كانــت الإدارة العامــة فــي عهــد الرســول الكــريم تتســم بالبســاطة
وكـان الموظفـون ثلاثـة أنـواع هـم الـولاة و العمـال والقضـاه. وكـان الرسـول
يعيـنهم مباشـرة بعـد الاسـتيثاق مـن مقـدرتهم ونـزاهتهم عمـلاً بقولـه تعـالى
(إن خيـر مـن اسـتأجرت القـوي الأمـين) سـورة القصـص الآيـة ٢١ .

كمـا عـين فـي وظـائف القضـاء عـددا مـن كبـار الفقهـاء المشـهود لهـم بالنزاهـة والاسـتقامة نخـص بالـذكر مـنهم الإمـام علـي ابـن أبـي طالـب ومعـاذ بـن
.جبل
وقد أثر عن النبي قوله “من ولى من أمـر المسـلمين شـيئاً فـولى
رجـلاً يجـد مـن هـو أصـلح للمسـلمين منـه فقـد خـان االله ورسـوله” ومـن ثـم
كانـت الجـدارة هـي أسـاس شـغل الوظـائف العامـة فـي الإسـلام. وعرفـت
الخدمة المدنية كخدمة عامة تستهدف إشباع حاجات المواطنين إذ روي
عن الرسـول الكـريم قولـه “مـن ولاه االله مـن أمـر المسـلمين شـيئاً فاحتجـب
عن حاجتهم احتجب االله عنه حاجته يوم القيامة “.

ولم يحدث في عهد الرسـول أن قـدمت شـكاوى ضـد أي موظـف
وهو ما يرجع إلى الشعور القوي بالمسئولية فضلاً عـن حسـن الاختيـار.
وكان صلوات االله وسلامه عليه يحـث العـاملين علـى حسـن الأداء بقولـه
“إن االله يحـــب مـــن العامـــل إذا عمـــل أن يحســـن” هـــذا بالإضـــافة إلـــى
الحديث العام لكل الناس والذي يقول فيـه “إن االله يحـب إذا عمـل أحـدكم
عمــلاً أن يتقنــه” كمــا كــان الرســول يحاســب العمــال علــى المســتخرج
والمنصــرف وقــد اســتعمل ذات مــرة رجــلاً علــى الصــدقات فلمــا رجــع
حاسـبه فقـال الرجـل هـذا لكـم وهـذا أهـدى لـي!

فقـال النبـي مـا بـال الرجـل
نستعمله على العمـل بمـا ولانـا االله فيقـول هـذا لكـم وهـذا أهـدى إلـى! أفـلا
قعد في بيت أبيه وأمه فنظر أيهدى إليه أم لا؟ وقال من استعملناه على
عمل ورزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول (أي خيانة )

(ب) عهد الخلفاء الراشدين :

كـان عمـال الإدارة العامـة يعينـون فـي عهـد أبـي بكـر الصـديق
بعـــد قضـــاء فتـــرة تمـــرين يتحـــدد فـــي ضـــوئها مـــدى صـــلاحية العامـــل
للاستمرار في عمله أو تنحيته عنه .

وقد تأكد مفهوم الإدارة العامة كخدمة عامـة فـي عهـد عمـر ابـن
الخطـاب إذ روي عنـه قولـه للنـاس “إننـي لـم أبعـث إلـيكم الـولاه ليضـربوا
أبشــاركم ويأخــذوا أمــوالكم ولكــن ليعلمــوكم ويخــدموكم” وكــان رضــي االله
عنه يتشدد في رقابة عماله فقد كان علمه بمن نأى عنه (بعد عنه) مـن
عماله ورعيته كعلمه بمن بـات معـه فـي مهـاد واحـد أي يتـابع البعيـد فـي
أقصـى الدولـة الإسـلامية بـنفس درجـة متابعتـه للقريـب الـذي يعمـل معـه
في نفس البلد .

ولقـد بسـط عمـر رقابـة الشـعب علـى مـوظفي الدولـة عـن طريـق
ممارسة المواطنين لحقـوقهم فـي الشـكوى مـن أي انحـراف فـي تصـرفاتهم
وكان عندما ينصب والياً أو عاملاً يعطيه عهد تعيين يحتـوي علـى أمـر
تنصــيبه وتحديــد ســلطاته وواجباتــه وكــان يعلــن ذلــك علــى المــلأ فــي
المسجد حتى يعرف كل مواطن حقيقة سلطات الموظفين وواجباتهم .
وقــد عــرف الخلفــاء الراشــدون مبــدأ تــلازم الســلطة والمســئولية
ويكفــي للدلالــة علــى ذلــك قــول عمــر ” لــو عثــرت دابــة بشــط الفــرات
لخشـيت أن أسـأل عنهـا يـوم القيامـة لـم (لمـاذا) لـم أمهـد لهـا الطريـق!!”

مقالة منفصلة انجازات عمر بن الخطاب – عمر والإدارة الرشيدة


وقد أو جـز الإمـام علـي رضـى االله عنـه فـي بلاغـه أحـدث أسـاليب الإدارة
العامة في اختيار العاملين وتحفيزهم ومراقبتهم حين أوصى عماله قائلاً لهم قـم وانظـر فـي أمـور عمالـك فاسـتعملهم اختيـاراً ولا تـولهم لمحابـاة أو أثـرة.. وتـوخ مـنهم أهـل التجربـة والحيـاد.. ثـم أسـبغ علـيهم الأرزاق فـإن
ذلــك قــوة لهــم علــى اســتطلاع أنفســهم وغنــى لهــم عــن تنــاول مــا تحــت
يدهم.. ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم ..

كمــا أنشــئت الــدواوين (الــدوائر) إذ وضــع عمــر أول ديــوان فــي
الإسلام للخراج والأموال بدمشق والبصرة والكوفة .
كما كان عمر رضـي االله عنـه يقـتص مـن الـولاة إذا أخطـاؤا فـي
حق المـواطنين وقصـة ابـن الـوالي عمـرو ابـن العـاص والـي مصـر الـذي
ضــرب أحــد أبنــاء الشــعب قــائلاً لــه أنــا ابــن الأكــرمين. لكــن المــواطن
اشــتكى بــدوره إلــى عمــر بــن الخطــاب واقــتص عمــر للمــواطن مــن ابــن
الوالي قائلاً له “اضرب ابن الأكرمين!!”.

ويعكــس العهــد النبــوي وعهــد الخلفــاء الراشــدين كــل مكونــات
الإدارة العلمية المحترفة التي ننادي بها في القرن الحادي والعشـرين مـن
حسن اختيار الخادم العام وتخطيط الأعمال وتوزيع العمل والرقابة على
الأداء .

(جـ) عهد الأمويين :

اشــتمل جهــاز الإدارة العامــة فــي العهــد الأمــوي علــى خمســة
دواوين هي

1- ديـوان الجنـد، ويُعنـي بالشـئوى الحربيـة

٢- ديـوان الخـراج ويخـتص
بــإيرادات الدولــة ومصــروفاتها

٣- ديــوان الرســائل وهــو خــاص
بالمكاتبــات والســجلات

٤- ديــوان الخــاتم حيــث تســجل أوامــر الخليفة وتحفظ نسـخ منهـا

٥- ديـوان البريـد المنـوط بـه نقـل
وأخيـرا
الرسـائل.

ومـن ناحيــة الإدارة المحليـة فقـد قســمت الدولـة إلـى أربــع
عشـرة ولايـة ولكـل ولايـة دواويـن محليـة هـي ديـوان الجنـد (الحربيـة)
والرسائل (السكرتارية) والمالية .

ونظراً لاتساع أرجاء الدولـة الإسـلامية مـع صـعوبة المواصـلات فقـــد أقتضـــى حســـن الإدارة تفـــويض الخلفـــاء والـــولاة مباشـــرة ســـلطاتهم
ٕ عطائهم سلطة شبه مطلقة في ولاياتهم لتحقيق الفاعلية، هذا من حيث
الفاعليـة، أمــا مــن حيــث الكفــاءة فنجـد أن الخليفــة عمــر بــن عبــدالعزيز
ينهي عماله عن الإسراف في استعمال الأوراق التي يكتبون فيها ويقـول
لأحــد عمالــه ” أدق قلمــك، وقــارب بــين ســطورك وأجمــع حوائجــك فــإني
أكره أن أُخرج من أموال المسلمين مالا ينتفعون به”. وكـان يحـث عمالـه
علـى رد الظلـم عـن النـاس وحـل مشـاكلهم دون الرجـوع للخليفـة ويـدعوهم
إلى تبسيط الإجراءات والبت السريع الحاسم في الأمور.

وللخليفـة عمـر بـن عبـدالعزيز نظـرة عميقـة فـي تحفيـز العـاملين
بجهاز الدولة كي يتفرغوا لخدمة المسلمين فقد قيل له .
ترزق الرجـل مـن عمالـك مائـة ومـائتي دينـار فـي الشـهور وأكثـر
من ذلـك. فقـال: “أراه لهـم يسـير إن عملـوا بكتـاب االله وسـنة نبيـه، وأحـب أن أفــرغ قلــوبهم مــن الهــم بمعاشــهم”!! فهــو يقــرر المرتبــات المجزيــة
لمـوظفي الدولــة بمــا يكفــل لهــم نفقــات المعيشــة حتــى يتفرغــوا لأعمــالهم
وخدمة المسلمين طالبي الخدمة .

(د) عهد العباسيين :

فــي عهــد العباســيين حيــث كانــت بغــداد قاعــدة الإمبراطوريــة
العربيـة المتراميـة الأطـراف اسـتحدثت دواويـن جديـدة مثـل ديـوان المظـالم
وديـوان آخـر لتوثيـق الحسـابات فـي الولايـات بالإضـافة إلـى قيـام ديـوان
البريد بعمل تقارير عن المواطنين. هذا بالإضافة إلى إدخال نظم توحيد
الوظائف حيث يتم تحديد متطلبات شـغل وظيفـة الـوالي (وهـو مـا يعـرف
الآن بوصــف الوظــائف) علــى أســاس العدالــة والكفــاءة. وهكــذا عرفــت
الدولــة العربيــة الإســلامية منــذ قــرون خلــت مقومــات تحقيــق الكفــاءة
والفاعلية في الإدارة العامة والتي ننادي بها الآن .

ويعكس مـا سـبق حقيقـة هامـة وهـي اختيـار الموظـف العـام (أي الذي يخدم عامة الناس) فـي منظمـات الدولـة بنـاءا علـى معـايير محـددة مـع إعطائـه الأجـر المناسـب حتـى يتفـرغ لخدمـة النـاس، وبالتـالي تسـهل
محاسبته وبشدة إذا لم يؤدي وظيفته كما يجب .


وعنــدما تحيــد الــدول عــن ذلــك (وهــو الــذي حــدث فــي الــدول
الناميـة )
لأسـباب كثيـرة تسـوء الخدمـة ويصـبح الموظـف العـام أو الخـادم
العـام سـيدا عامـاً يصـعب محاسـبته ويعرقـل أعمـال النـاس .. لقـد انقلـب الوضــع وزادت الشــكوى مــن المنظمــات العامــة لأنهــا اعتمــدت علــى
معايير كثيرة في اختيار الموظف العام غير معيار الكفاءة .

فى النهاية اخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.